السّلام مفقود من العالم. تتصاعد وتيرة النِّزاعات بين البشر مع كلّ المساعي الدّوليّة لإحلاله. مؤخَّرًا، تصريح واحد لقائد سياسي غربي أشعل فتنًا واضطرابات في منطقة الشّرق الأوسط. ناهيك عن القلاقل على الصّعيد الفردي والعائلي والمجتمعي. قليلون يختبرون بعضًا من الصّفاء والهناء في حياتهم. الإنسان الوحيد الّذي كانت حياته سلامًا، وصار مصدر سلام حقيقيّ لمن يلتقي به، هو يسوع رئيس السّلام. يمنح المسيحُ الإنسان والأوطان سلامًا يفوق العقل والوصف. قال ذات يوم: “سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب”.
رأى النّبي إشعياء عصر سلام قادمًا في المستقبل. رآه في وقت عصيب من تاريخ شعب الرب. تدهورت الحالة في أورشليم عاصمة المملكة الجنوبيّة بعد موت الملك الصّالح عزّيا. وفي عهد الملك الشرّير آحاز تغلّب الامبراطور الأشوري تغلث فلاسر الثالث على سوريا والمملكة الشماليّة وسبى إسرائيل عام 722 ق م. في هذه المرحلة من الأزمة السّياسيّة والأمنيّة والرّوحيّة في مملكة يهوذا، أوحى الروح القدس بعض النّبوّات الهامّة عن المسيح. “الشّعب السّالك في الظّلمة أبصر نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور … لأنّه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا وتكون الرّياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا مُشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًّا رئيس السّلام لنموّ رياسته وللسّلام لا نهاية.”
يقارن النّبي بين ملك أشور والمسيح الآتي. يتباهى الأوّل بتجبّره ودهائه وبطشه. أما الثّاني فهو غصن منبثق من جذع يسّى إشارة إلى تواضعه وصفاته الإلهيّة معًا. ملك وديع يحكم بالبرّ، وأيضًا “يحلّ عليه روح الرّب روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوّة، روح المعرفة”. تختلف قِيَمه ونظرته للحكم عن كلّ الملوك الأرضيَين، وأعلى منهم. لا يتلذّذ في شهواته وغناه بل في مخافة الرب. يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبؤساء الأرض ويميت المنافق بنفخة شفتيه. يسوع ملك لم يعرف العالم له مثيلاً.
يتقدّم إشعياء خطوة جديدة ليتنبّأ أنّ الغصن المتواضع، ملك البرّ الآتي إلى العالم، سيكون حكمه فترة سلام وأمان وطمأنينة لا مثيل لها. المسيح قادر على ترويض الطبائع الشرسة. “فيسكن الذّئب مع الخروف ويربُض النّمر مع الجدي والعجل والشّبل والمسمّن معاً وصبيّ صغير يسوقها.” في حكم المسيح يعيش الأعداء معًا في سلام وأمان. الّذين كانوا ينهشون بعضهم يسكنون معًا في محبّة وانسجام وبدون خوف. تصف هذه العبارات الملك الألفي لدى المجيء الثاني للمسيح، لكنّها أيضًا وصفٌ لحياة المؤمن والكنيسة. يروّض الربّ طبائعنا فننتصر على القلق والصّراع في نفوسنا المتقلِّبة ونغيِّر سلوكنا وكيفيّة تعاملنا مع الآخرين.
نبوّة إشعياء كانت تعزية لشعب الرّب في مواجهة الجيش الأشّوري في زمن مضطرب. إنّها نبوّة عن زمن الميلاد حيث يجب أن يفتح الإنسان قلبه لملك البرّ فيختبر السّلام مع الله، والسّلام في الكنيسة، والسّلام في البيت وفي المجتمع وبين الأوطان. حين ولد يسوع صدح صوت الملائكة في الكون، “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة”.