“الفداء” أهمّ حقيقة بين كافّة حقائق الإنجيل، وهي أعذب كلمة يُنشدها مؤمنو العهد الجديد، ولربّما أكثر كلمة يُهاجمُها منكرو الكتاب المقدّس. فتعليم “الفداء” يؤذي كبرياء بعض النّاس عندما يعلمون أنّهم بحاجة إليه، لكنّه يُفرّح نفوس الّذين ولدوا ثانية إذ يعرفون أنّهم استفادوا منه.
وكلمة “الفداء” أكثر كلمة مُعبّرة ترتبط بالخلاص. بالحقيقة، هناك العديد من قصص الفداء المعبّرة والفصيحة في العهد القديم. أهمّ هذه القصص نجدها في تحرير شعب الله من مصر (مز 106: 6-12)، إذ نرى فيها أفضل صورة لفداء المسيح لشعبه، الّذي كان خلاصاً خاصّاً وفعّالاً وكاملاً أُنجز بذبيحة دمويّة.
لو درسنا وضع الشّعب العبرانيّ في القديم، لوجدنا أنّهم استُعبِدوا في مصر بسبب خطيّتهم – ألا وهي بيع يوسف (تك 32)، وأُنقذوا على يد رجل أقامه الله وهو موسى “الفادي” (أع 7: 35). وكان ثمن فدائهم هو دم الحمل الفصحيّ (خر 12: 13)، والقوّة الّتي حقّقت فداءهم كانت يد الله الكلّي القدرة (خر 14: 13-14؛ 15: 1، 2-16).
تعريف الفداء
الكلمة “فداء” تأتي من الفعل “فدى” الّذي يعني باللاّتينيّة “اشترى من جديد”، وباليونانيّة المُستخدمة في العهد الجديد تعني أيضاً “حرّر” أو “أطلق حرّاً”. إنّها الكلمة المُستخدمة لتصف إطلاق السّجين أو العبد إلى الحرّيّة، وذلك عبر دفع فدية بديليّة عنه. لقد أعلن الرّبّ يسوع شخصيّاً أنّه جاء إلى العالم ليُقدّم نفسه فدية عن كثيرين (متى 20: 28). ويقول لنا بطرس إنّنا “افتُدينا” (اشتُرينا)، ليس بفضّة أو ذهب (عادة هذه المعادن كانت تُستخدم لدفع الجزية أو الفدية)، بل بدم المسيح (1 بط 1: 18-19). ويؤكّد بولس أنّ الثّمن المدفوع كفدية بديليّة عنّا كان موت المسيح كذبيحة، وتقديم دمه كفّارة (تعويضاً) للفداء.
كما أنّ العهد الجديد يستخدم الفعل “exagoradzo ” الّذي يعني “الشّراء بهدف تحرير منْ دُفِع عنه. وعندما نرى كيف يستخدم الكتاب المقدّس هذا الفعل يتبدّد كلّ شكّ أنّ الرّبّ يسوع المسيح اشترى شعبه من بين أولاد آدم السّاقطين (رؤيا 5: 9؛ 14: 3-4)، وذلك من تحت حكم عدالة الله الّتي جعلتهم تحت لعنة النّاموس المقدّس (غلا 3: 13؛ 4: 4-5)، وقد تمّ التّحرّر من الخطايا بواسطة سفك دم المسيح (1 كو 6: 19-20؛ أع 20:28).
من الجدير ذكره أنّ الفداء في العهد الجديد لا يُشير إلى تحرير شعب الله من الخطيّة (أف 1: 7)، إنّما يشمل الخلاص المُستقبليّ لأجسادهم من جميع آثار الخطيّة (رو 8: 23). الخلاص اشتراه المسيح وصار مِلك كلّ مؤمن، أمّا آثاره الكاملة فتنتظر رجوع الرّبّ يسوع المسيح عندما تتحوّل أجساد المؤمنين (فيلبي 3: 21؛ 1 يو 3: 2).
الحاجة إلى الفداء
لو سأل أحدهم: ما هي ضرورة هذا الفداء؟ لأجاب الكتاب المقدّس بما يلي:
1. كلّ البشر، رجالاً ونساءً هم، منذ السّقوط خطاة بعيدون عن الله (رو 3: 23؛ 8: 7). وأجرة الخطيّة ومعاداتنا لله هي الموت. وعلى كلّ خطيّة أن تُعاقَب أكان في حياة مرتكبها أم في حياة شخص بديل عنه (عب 2: 2).
2. إنّها إرادة الله أن يخلص الخطاة. وهناك أشخاص سيخلصون بحسب إرادة الله هذه (يو 10: 16؛ أف 1: 3-7، متى 1: 21).
3. إنّه لمن غير الممكن أن يُخَلِّص إله قدّوس وعادل وحقّ الخطاة من دون أن يقتصّ من الخطيّة (أو يُقاصِص الخطيّة)! فهو أراد أن يغفر خطايانا، ولا بدّ من أن يفعل هذا، بينما يُتمّم عدالته كما قال في خروج 34: 7 “غافرُ الإثمِ والمعصيةِ والخطيّةِ. ولكنّهُ لن يُبرئَ إبراءً. مُفتقدٌ إثمَ الآباءِ في الأبناءِ، وفي أبناءِ الأبناءِ”.
4. الطّريقة الوحيدة الّتي فيها تُتمّم عدالة الله هي ذبيحة المسيح البديليّة (رو 3: 24-26). وحده ابن الله، الّذي لم يُخطئ، بإمكانه أن يدفع ثمن خطايانا ويُتمّم فداءنا (دفع فديتنا).
تصميم الفداء
من الواضح، لكلّ من يقرأ الكتاب المقدّس، أنّ الله قرّر، بعمل يسوع المسيح الفدائيّ، دفع فدية بديليّة فعّالة تُخلّص الّذين مات من أجلهم المسيح. وإن كان المسيح قد قدّم لله ذبيحة مقبولة عن خطايا النّاس، فإنّه من المستحيل أن يُعاقِب الله القدّوس الخاطي الّذي دُفِعَ ثمنه بدم المسيح (أش 53: 7). والعدالة المُنجَزَة تتطلّب إطلاق كلّ سجين دفَعَ المسيح الفدية عنه. ولذلك يكون الخلاص من عبوديّة الخطيّة، المُقدَّم بالفداء، خلاصاً تامّاً. يقول عن المسيح، في هذا الخصوص، كاتب سفر العبرانيّين: “فمِن ثمَّ يَقدرُ أن يُخلِّص إلى التّمام الّذين يَتقَدّمون به إلى الله، إذْ هو حَيٌّ في كلّ حين ليَشفَعَ فيهم”.
يطمئنّ، ويرتاح، ويسعد من يتأكّد من أنّ ديونه قد سُدِّدت، وذنوبَهُ قد غُفِرت، وأنّهُ صار حرّاً بفدية كاملة فعّالة وكافية دفعها المسيح. هذا هو هدف عمل الفداء الّذي تمّمه المسيح بموتهِ على الصّليب. ترنيمة: لي خلاصٌ كاملٌ فوق الصليب (واسم الكاتب)